قصة " رجل ليوم واحد "
أعتاد أخيها الاصغر منها بعامين ، إلقاء التعليمات على مسامعها ، وسؤالها إلى أين ستذهب ومتى ستعود ، وإبداء ملاحظاته على كل شئ يخصها ..حتى ملابسها ..وكم كرهت سكات أبيها ورضائه عن موقف أخيها الاصغر منها ، وكان الوالد يعتبر هذة رجولة فى أبنه ...
توجهت إلى فراشها بعيون باكية ، وهى تلعن كونها بنت ، وليس ولد ..وكانت الدموع تعمى عينيها وهى تتمنى فى صمت لو كانت "رجل" ..تتمنى أن تتخلص من كل أنوثتها وجمالها الهادئ..ونامت...
فى الصباح خرجت منها صرخة مدوية بصوت خشن لا تعرفه ، عندما وقفت أمام المرأة الموجودة فى حجرتها ، لتسرح شعرها الاسود الحريرى ، كما هى معتادة ، فقد وجدت الصورة المنعكسة أمامها فى المرأة ..صورة "رجل" ..رجل بكل ما تحمل الكلمة من معنى ..رجل وسيم ، مفتول العضلات ..ولكن العينين فقط لازالت هى ..روحها لازالت هى ..فهى لازالت تشعر أنها فتاة..مشاعرفتاة...
دب الرعب فى أوصالها المرتعشة ، ولم تعرف ماذا تفعل ، أو حتى ماذا حل بها ..تفاجأت عندما فتحت دولاب ملابسها ، لتجد كل فستاينها الجميلة زاهية الالوان قد أختفت ، وحل محلها ملابس رجالى ..الوانها بين الاسود والكحلى والرمادى والاخضر والبنى ...
حتى أدوات ماكياجها ، غالية الثمن ، التى تفننت فى جمعها ، حل محلها زجاجات عطر رجالى ، وإدوات أخرى لحلاقة الذقن ، وأشياء أخرى لا تعرف كيفية أستخدمها أصلا...
توقفت عن الصراخ ، وأرتدت أخيرا الملابس الرجالى التى كانت عليها فى جسد "الرجل" ،غاية فى الروعة ،وخرجت من حجرتها لتجد أمها تحضر الافطار ، وأخيها الاصغر ينظر لها بكل أحترام ويخاطبها :
"صباح الفل يا باشا ........"
تعجبت فى صمت من كل شئ حولها ، فى صمت وذهول حاولت أن تساير يومها حتى تفهم سر تحولها لرجل ، والغريب أن أمها وأخيها وأبيها ، كانوا يعاملونها وكأنها خلقت أصلا رجلا ..ومعاملاتهم معها كانت مختلفة للغاية ، وكانها هى كرجل وأبن أكبر ، قائد البيت وصاحب الكلمة العليا ...
ولم تستطيع أن تقول لهم أنقذونى ، أنا نمت فتاة ، لاستيقظ وأجد نفسي رجل ..هل هذا كابوس ، أو سحر ما ، أو شئ أخر غامض ..وذهبت لعملها...
وكم كانت سعادتها عندما وصلت إلى عملها سالمة من أن يغازلها أحد فى الطريق كما هى معتادة وهى بنت على تحمل السخفات ...
فى العمل ، سمح لها المدير بالافطار معه للمرة الاولى ، بعد أن كانت تفطر وحدها ..فهى البنت الوحيدة فى القسم ، وكم كانت سعيدة بهذا ..ومازحها بعض زملائها الرجال فى العمل ، بمزاح لم تفهم أغلبه ..بكلمات ذكورية وقحة بعض الشئ ، ولكنها تظاهرت بالفهم وتصنع الضحك ..مضى يومها فى العمل سريعا ، لانها كانت طوال الوقت تتكلم وتمزح مع زملائها الرجال ، فهى الان مثلهم رجل ..أما وهى بنت ، فكان اليوم ثقيل يمر ببطئ ، لانها كانت مجبرة على الصمت طوال الوقت والتركيز فقط على عملها...
فى نهاية يوم العمل ..عرض عليها بعض زملاء العمل الخروج معهم ، فاليوم الخميس والخروج فى هذا اليوم من كل أسبوع ، أحدى عاداتهم ..وعندما أتصلت بوالدها ، لتخبره عن تأخرها عن العودة للبيت فى موعد الغداء ، قال لها :
"أنت حر .. أنت رجل..أفعل ما تريد..فقط أعتنى بنفسك...."
وتعجبت من رد فعل أبيها هذا..فهى وهى بنت كان سيصرخ فى وجهها ويأمرها بالعودة إلى البيت فورا ، كسجين أنتهت ساعات خروجه من سجنه ...
وسط مرحها مع أصدقائها ، نسيت نفسها ، وبداءت تضحك بصوت عالى بحرية ، بدلا عن أبتسامات الفتيات التى كانت ترسمها رسما على وجهها الجميل فى خجل وأستحياء ..وزالت كل القيود المرعبة ، التى قيدوها بها منذ أن ولدت كأنثى إلى يوم تحولها لرجل ، بصورة غامضة لا تفهمها ، ولكنها مستمتعة حتى الان بهذة المعجزة ...
وفأجاة ودون مقدمات ظهر هو...
وتحركت الانثى بداخلها ..الانثى التى تمنت منذ قليل أختفائها للابد ..كان الاخ الاكبر لزميلاها فى العمل ، مهندس معمارى ، له طلعة فنان محتار بين الجميل والاجمل..الهدؤ عنوان إبتسامته وعينيه آسرة باسمة ..وكانه يملك الدنيا بتلك الابتسامة الاخاذة ..وتحرك قلبها..ورقص بشغف بين ضلوعها ..وطال الحديث بينهما ، ولكن حديث رجل ، لانثى محبوسة داخل جسد رجل .. ولكن تفاهم الارواح هذا شئ أخر..كل شئ معه كان حلو، مريح..أرآه عن المرأة كانت تبهرها ، وخاصة وأنه كان يتحدث بحرية ، فهو لم يكن يعلم أنه يتحدث مع أجمل فتاة...
كل شئ حولها كان، رومانسي حالم رائع..القمر فى السماء مكتمل بدر ، والسماء تمطر حب صافى ..والنجمات تغازل السحاب وتختبئ خلفه ..والجو تملائه نسمات تداعب المشاعر والاحاسيس ..إلا شئ واحد..أنها محبوسة فى جسد رجل...
عادت البيت متأخرة ،فهى لم تكن تريد أن تتوقف عن النظر له ومتابعت كل كلمة يهمس بها ..والعجيب أنه لم يسألها أحد ولم يعتابها أحد ..ولم تتلقى لوم أو عقاب من والدها أو حتى أخيها ..ومع كل هذا ، تمنت بعيون دامعة أن تعود فتاة مرة أخرى ..فتاة بكل القيود التى تخص الفتيات ،من التظاهر بكل شئ ، حتى طريقة الابتسام والكلام والمشى ، فقط مراعاة لكونها بنت فى مجتمع شرقى ...
ونامت دامعة العينين ، تفكر بذلك الفارس الوسيم الذى أخذ قلبها بلا راجعة ، والتى فارقته على مضض..وتمنت من الله أن تعود فتاة ...
فى الصباح أستيقظت متعبة ، ووقفت أمام المرأة مرعوبة من أن تجد نفس الرجل الذى شاهدته سابقا فى المرأة ، على أنه نفسها .. ولكنها طارت فرحا عندما وجدت نفسها عادت فتاة رائعة الجمال مرة أخرى..وأنتهى الحلم الذى شاهدته بكل حسناته وسيئاته...
ذهبت إلى عملها سعيدة تبتسم لكل شئ ، وكانت راضية تماما بالافطار وحدها وبصمتها ، وبكل شئ كان من قبل ثقيل على قلبها ...
ولكن رقص قلبها الذى أحب ،بين أضلعها ، رقصة الحياة ، عندما رأت أخو زميلها ، الذى شاهدته فى حلمها أمس ، يأتى إلى مكتبها ، ويبداء معها حوار ، لسبب غامض رائع..وأنتهى الحوار بزفاف فى قمة الروعة والرومانسية...
"أنثى"
"نزلت الارض غصب،باسمى أنثى مقيدة...
نصفى أنسان .. ونصفى فكرة متمردة...
ورغم ألمى .. ورغم همى..أرقص فرحة
حافية القدمين على أرض غير ممهدة..."
"وعجبى"
بقلم /مى الحجار
"كاتبة هاوية"
الأحد فبراير 01, 2015 7:16 am من طرف 
اليومية
