قصة : "الحب رجل"
الحر يشتد فى الخارج ،ولكنها لا تشعر بشئ وهى فى مكتبها المكيف الفخم فى الشركة التى تعمل بها ..هى ، الان فقط يمكنها أن تستريح ،هى وزوجها "سامح" ، من مشوار الحياة ، يمكنها هى وهو الوقوف لحظات لالتقاط الانفاس والتمتع بثمرة التعب والاخلاص فى كل شئ قاما به معا...
وأبتسمت لنفسها وطاف بخيالها ، حالها منذ عشر سنوات .. فقيرة بل معدمة ، لاتملك سوى شهادة جامعية من كلية الحقوق ..ولديها أم وأخ صغير ، ومصدر رزقهم الوحيد معاش من أبيها ، الذى مات قبل تخرجها من الجامعة بعام .. طاف بخيالها كفاحها مع "سامح " ، وأنهما تزوجا فى حجرة ، فى شقة أسرتها ..تذكرت كفاحها اللذيذ هى و"سامح" ، فى الصباح فى المحكمة مرافعات ، وتأجيل قضايا نيابة عن المحامى الكبير ، صاحب المكتب ، مقر عملهما فى المساء .. تذكرت وأبتسمت ، أبتسامة حلوة راضية ، ف"سامح" طالما أشعرها بالامان والحنان وهى معه ،وهذا جعلها تتفانى فى أسعاده ، وأدخال البهجة على قلبه ، فأصبح بينهما مودة ورحمة ...
وتعلقت عينيها بصورة أبنها ذى الستة اعوام ، وتحركت بداخلها مشاعر الام الجميلة ، وأحست أنها تريد العودة إلى البيت لتضم طفلها الوحيد ، الى صدرها حتى يهدأ قلبها ويستكين بين ضلوعها ..وبدأت تعد نفسها فعلا للعودة للبيت ..وقبل أن تفتح باب مكتبها لتخرج ، سمعت طرقا على الباب ، وعندما فتحت الباب وجدت "سكرتير" مكتبها يخبرها أن أحد المتقدمين للوظيفة يرغب فى مقابلتها ، فقالت للسكرتير بهدوء:
"ولكن الوقت أنتهى لمقابلة المتقدمين ، والساعة الان الرابعة وعلىّ العودة للبيت............"
فقاطعها السكرتير بأبتسامة مهذبة :
"ولكنى أخبرت المتقدم للوظيفة بكل هذا ، وكانت النتيجة أنه توسل لى حتى كاد يزرف الدمع ......"
فأبتسمت بقلة حيلة وقالت :
"أدخله ..حتى لا يذرف الدمع فعلا ..فالرحمة فوق العدل ..ربما كانت لديه ظروف خاصة ..........."
وجلست على مكتبها وأنتظرت .. دخل عليها المتقدم للوظيفة وعندما رأته عرفته ، وكأنها لم تفارقه عشر سنوات ، ومن ينسي حبه الاول ..صافحته وهى تقول :
"مرحبا "أيمن".........."
وتعجب هو أنها مازالت تذكره وتعجب أكثر من روايتها ، فهو لم يتوقع أن تكون هى مدير الادارة الذى يمتحن المتقدمين للوظيفة المعلن عنها ..لم يتصور أن تجمعه بها الظروف مرة أخرى ...
فقال وهو يحاول أن يسيطر قدر الامكان على الكلمات الخارجة من بين شفتيه :
"لقد مر وقت طويل ، وأنا سعيد لرؤيتك مجددا ..كيف حالك؟..........."
فاجأبت بأبتسامة ثقة :
"بخير جدا كما ترى ، مديرة إدارة ..وزوجى "سامح" ، أتذكره؟! ..زميلنا فى الجامعة ..أصبح الان ، يمتلك مكتب محاماة خاص به ، ولدينا ابن فى الصف الاول الابتدائى ، غاية فى الذكاء ..أى يمكنك القول أنى سعيدة والحمد لله ..وأنت؟........."
أجاب بعد فترة صمت :
"لا جديد ، أنتقلت بين عدة وظائف ولكن التوفيق لم يكن حليفى ، لذا جئت اعمل هنا........."
فقالت بهدؤ الام المتلهفة للعودة إلى البيت لرؤية أبنها :
"أنت مرحبا بك .. فقط أترك أوراقك لدى السكرتير ، وأتمنى أن يكون التوفيق حليفك هذة المرة ......."
فرد عليها بنبرة حزينة وحسرة تغلف صوته :
"منذ أن أفتراقنا لم أوفق فى شئ..حتى فى أرتداء ملابسي ....."
وأبتسم أبتسامة ، خرجت من بين شفتيه لا معنى لها ..ولا مناسبة ، ولكنها أحرجته أكثر ولم تبادله الابتسام ، بل وقفت لتنهى المقابلة ..ولكنه ظل جالسا ، وقال وهو ينظر إلى الارض بأسف ،بآن على ملامح وجهه :
"لم أتزوجك ، لانك كنت فقيرة ..وأنا كنت أفقر منك ، وكنت أتمنى بعد فراقنا أن تتزوجى رجلا غنيا يسعدك ، وأن أتزوج أنا إمرأة ميسورة الحال ، ونسيت أن الغنية تتزوج الاغنى منها ..وتنظر للفقير على أنه خادمها لا أكثر.........."
جلست أمامه على يد كرسي ، موضوع أمام الكرسي الذى يجلس عليه وهى تقول :
"الحب لا يحتاج إلى شئ سوى قلبين والقليل من الكفاح وأنت ..لم تحبنى يوما ، ولم تكن مستعدا للكفاح .. لا تحاول أن تظهر أمامى الان بأنك شهيد الحب فأنت مع أول فشل لنا فى العثور على وظيفة ، تخليت عنى وعن أحلامنا وسط البحر ، وهربت أنت بنفسك ..ولولا "سامح" ، زوجى الذى وقف بجانبى ، ومد لى يده ، وكافح معى حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الان ، لكنت حتى الان محطمة القلب والروح ، بسبب أنسان مثلك..والان لا تنتظر مساعدتى لك ، فأنت لم تساعد حتى نفسك ، وتكافح قليلا ولا حتى تنتظر أن أقف ضدك ، فاذا كنت الافضل بين المتقدمين وفزت بالوظيفة .. فمرحبا بك زميل عمل ولكن لا تحاول مطلقا تذكرى بأنى يوما كنت حمقاء ، لا تجارب لها فى الحياة لاختارك من بين الاف الطلاب ، لاقنع نفسي أنى معجبة بك..أنسي ، كما نسيت........"
بقلم/مى الحجار
"كاتبة هاوية"