قصة " رقصة "
فقط أمنيتها كانت رقصة..نعم مجرد "رقصة" تانجو مع رجل مغرمة به .. ولكن كيف ؟!...وهى عاجزة عن الوقوف على قدميها والسير مثل باقى البشر .. كم حلمت بتلك الرقصة التى لن تحصل عليها يوما فى ضوء القمر فلا امل من شفائها ..حتى تخيلت ملامح ذلك الرجل الذى ترقص معه فى الخيال ، لم تتخيله وسيم ، ولكن تخيلته حنون ، يغفر لها اى شئ ..ويبقى معها دائما ويحميها..تخيلت وحلمت وتمنت من الله...
وجاء يوم زفاف أختها ، وكان من فقرات حفل الزفاف ، رقصة "تانجو"..بين العروس والعريس ، وكانت أختها لا تجيد الرقصة ، فذهبت الى مكان هى وخطيبها لتعلم تلك الرقصة ، وأخذتها معهما ...
بعيدا جلست على كرسيها المتحرك ، بوجه ملائكى حزين ، تراقب أختها ترقص مع خطيبها ، وتضحك عندما تخطئ الخطوات ، ولكنها كانت فرحة فقط لفرح أختها ..فهى ترى فرحها ، فيعوضها هذا عن حرمانها .. ساعات مرت وهى تراقب كل حركة يقوم بها الثلاث ..أختها أو خطيبها أو معلم الرقصة ..الذى كان مشغول جدا بشرح كل خطوات الرقصة ..والتاكد من اتقان العروسين لها ...
وسط الرقص ، وقعت أختها على الارض ..فتوجهت نحوها فورا ، بكرسيها المتحرك ، مفزوعة عليها ، وعندما ضحكت أختها ، من جديد ، تاكدت أنها بخير ، وأنها سليمة معافة .. وقبل أن تعود مكانها البعيد ، حيث تنتظر وتراقب تقابلت عينيها مع عينيه.. وحدث شئ كالسحر .. وبصعوبة بالغة أشاحت عينيها عن عينى معلم الرقص...
عادت الى البيت مع أختها ، وهى ليست الانسانة نفسها ..فقد كان لها شهية لكل شئ ، حتى الطعام الذى ذهته من فترة ، وأخفت ذلك عن اسرتها ، حتى لا يطلبوا منها الذهاب لطبيب أو أخذ دواء للشهية ...
وذهبت مع أختها عدة مرات ، وكل مرة تراقب من بعيد ، متفرحة ، على أمنيتها الوحيدة يحققها غيرها أمام عينيها ...
الى أن جاءت مرة وطلبت منها أختها أن تسبقها الى هناك ، وفعلت...
وجلست تنتظر أختها ، فى نفس الزاوية البعيدة فى الظل ..الى أن راته قادما نحوها مبتسما ، ولم ترد عليه بابتسامة مماثلة ، بل أرتدت قناع متحفظ جاد ، ولكن قلبها فى صمت أقام لقدومه الف أحتفال ، وزادت دقاته وأعلنت الحب والفرحة ...
بدء يتحدث معها عن كل شئ وأى شى ، وفأجاة ضبطت نفسها ، تضحك معه مسترخية لا تحمل أى هم من همومها ..لقد نسيت كل شئ ولم تعد تذكر الا عينيه المريحة للاعصاب ووجودها معه ..ظنت للحظة ، أنه تم اختصار الكون فقط فى جمال وروعة ضحكته ...
هاجمه بسؤاله:
"ما أمنيتك فى الحياة؟...."
لم تعرف كيف تجرئ على قول ما فى قلبها ..فاحمر وجهها وسكتت ، فالح عليها ، وتوسل لها أن تقول الحقيقة ..وأيضا لم ترد ..فبداء يهددها ، إذا لم تقل سيلقى بنفسه أمام عينيها من الدور العاشر الذى كانا به مكان قاعة الرقص...
وفعلا فتح النافذة ، وهى تضحك من جنونه ، ولكن عندما وضع قدمه على حافة النافدة صرخت خوفا عليه:
"فقط حلمى رقصة تانجو..هل تملك تحقيقها لى؟!...."
فعاد الى حيث تجلس وركع عند قدميها ، ونظر فى عينيها البريئة وقال بثقة:
"طبعا...."
للحظة ظنت أنه يسخر منها ومن حلمها الذى قد يظنه البعض حلم تافه ، وبحثت بعينيها عن ملامح السخرية فى وجهه ، فلم تجد الا الصدق والطيبة والحنان ...
"بمنتهى البساطة يمكن يمكننى حملك والرقص معكى..أنت خفيفة كعصفور ...أو حتى لمزيد من الامان ساقيدك بى ،حتى تكونى مطمئنة ، ولا تخشى الوقوع وأنت بين يدى "
أبتسمت له بحزن وقالت :
"فكرة جيدة ، ولكنى لا استطيع الاقتراب منك هكذا ،انا متدينة ، وهذا حرام ..."
فابتسم لها برقة قلبه وقأل:
"أذن ساقيدك بى الى الابد ..أنت مضطرة للزواج بى ، حتى يمكننا الرقص دون ذنب ..من فضلك أقبلى ..أحبك"
نظرت له بتعجب وقالت له "من أنت؟....أنت بشر مثلنا؟!...."
فاتسعت أبتسامته وهو يقول :
"نعم بشر على حد علمى ..طبيب جراح صباحا.. وفى أوقات فراغى ..أعلم أصدقائى ..رقص التانجو.. فقط حتى أنسي متاعب عملى الشاق والمرهق للاعصاب "
بقلم/مى الحجار
"كاتبة هاوية"