القصة الثانية من مجموعة محكمة العدل الالهى .. بقــلم أ/ صـلاح سيــف

القصة الثانية
من مجموعة محكمة العدل الالهى
*************************
قصة الأديب / صلاح سيف
( 2 ) محكمة العدل الإلهى
نشأ أمين في إحدى قرى محافظة القليوبية , حفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ التاسعة من عمره , تربى في أسرة رجل طيب ,كان والده فلاح أجير والأم ربة منزل , كان والده يخرج للعمل بالمزارع الموجودة بالقرية ,نظير خمسة جنيهات في اليوم وكانت الأم تقوم بتربية الدواجن وذلك للحصول على البيض أو لحومها 0
أحس بفقر والده ,فاجتهد في دراسته الابتدائية , وفى الدراسة الإعدادية كان ضمن العشرة الأوائل على المحافظة حصل على مجموع 275درجة من المجموع الكلى 280درجة ,كان لديه طموح كبير ,التحق بالمدرسة الثانوية في مدينة بنها.
حيث لا يوجد مدرسة ثانوية في القرية , وظل يمشى من القرية إلى المدرسة خمسة كيلو مترات يوميا ذهابا وإيابا لمدة ثلاث سنوات هي مدة دراسته بالمدرسة الثانوية حتى لا يتحمل والده مصاريف السفر خمسون قرش يوميا 0
وفى أجازة آخر العام كان يخرج مع والده للعمل بالمزرعة حتى يستطيع شراء ما يلزمه من كتب وأدوات مدرسية أو شراء قميص وبنطلون , وكان يفضل الذهاب إلى المدرسة بالزي العسكري ليحافظ على الملابس التي اشتراها ليظهر بها في المناسبات أو الأعياد 0
وفى امتحان الثانوية العامة كان ضمن العشرة الأوائل على مستوى الجمهورية شعبة علمي علوم بمجموع 104%.
وكرمه وزير التربية والتعليم الدكتور فتحي سرور في ذاك الوقت ونال التكريم من جريدة الجمهورية بزيارة بعض الدول الأوربية ( فرنسا وألمانيا ), التحق بكلية الطب ببنها وواصل الجد والكفاح والاجتهاد حتى حصل على بكالوريوس الطب , وبعد ذلك كان التخصص أمراض نساء وتوليد 0
وبعد التخرج عين بمستشفى بنها العام , ومرت السنوات وتزوج من ايمان زوجة صالحة متعلمة حاصلة على ليسانس آداب قسم لغة عربية, تفرغت للبيت , وكانت نعم الزوجة التي تعرف حقوق الزوج , أنجبت له من البنين أربعة ومن البنات ثلاثة , البنين أحمد واسلام وأكمل وأيمن والبنات هن فاطمة ورقية وأم كلثوم 0
عاشت الأسرة أياما كريمة شريفة , لم يستغل الدكتور أمين فيها مهنته يوما من الأيام , ولم يستغل مريضا أو يرد معتلا ,
كان عندما يدخل المستشفى ويمر على العنابر الابتسامة لا تفارقه وحب الجميع له لا يوصف , نعم الطبيب الذي يرعى مرضاه ,ويتساهل مع مرضى كثير 0
كان يشعر بالفقير لأنه تربى مثله وعاش الفقر , فكان يحاول مساعدته ومساعدة مرضاه قدر المستطاع , وكان لا يأخذ من الغنى أكثر من أجره ظل هكذا أكثر من عشرين عاما 0
تخرج بعض أولاده من الجامعات ,أحمد وكيل نيابة , إسلام ضابط شرطة , وأكمل مهندس كمبيوتر , أما الصغير أيمن طالب بمدرسة بنها الثانوية بنين , وقد منّ الله عليه بزواج ابنتيه فاطمة ورقية بعد حصولهما على بكالوريوس الطب من شقيقين يعملان بالسلك الدبلوماسي, والصغرى أم كلثوم طالبة بمدرسة سعد زغلول الإعدادية للبنات ببنها0
وكان الدكتور أمين كما يقول زملاؤه يعامل المرضى بالفلسفة الأخروية , فهو يعامل الله قبل كل شئ, لم يفتح عيادة خاصة , معللا إدخال السعادة على مريض والشفاء بأمر الله على يديه هبة من السماء 0
انتقل إلى المستشفى الجامعي ببنها رئيسا لقسم النساء والتوليد , وبنفس الأسلوب الذي أخذه على نفسه في معاملة المرضى كان يعامل مرضى مستشفى الجامعة, وفى يوم عصيب لم ولن ينساه, اتصلت به الدكتورة النائبة بالمستشفى ناهد بعد انتهاء فترة العمل الصباحية وانصراف الأطباء والعاملين تأخذ رأيه في إعطاء مريضة في المستشفى قرص (ستيونيك) بغرض زيادة طلق الحمل, عنفها وحذرها تحذيرا رادعا بأن القرص يمثل خطرا داهما على حياة الأم والجنين , وهو أساسا يستخدم في قرص المعدة , كما أن الأم لم تكن على ولادة , وأمامها يوم أو يومين أو ثلاثة على الأكثر , لكن الطبيبة الصغيرة ظنت أن الطبيب الكبير رئيسها في العمل الدكتور أمين يمزح معها , فعصيت الأوامر ولم تنتبه بما نهاها عنه , وأعطتها القرص ووقعت الفاجعة 0
أفزع صراخ وتأوه الأم الطيّبة النائبة ناهد , فاستنجدت بالدكتور أمين طالبة العون , لم يتأخر وهرع إلى المستشفى وبعد أن وصل ولبس ملابس غرفة العمليات ودخل فيها وجد الأحداث فيها قد بلغت مبلغها , الطبيبة ناهد وفى يدها مولود متوفى تندب حظها العاثر وتبكى بحرقة ومدير المستشفى وهو طبيب التخدير يقف بلا حراك والممرضون والممرضات يتمتمون ويهمهمون وأيضا ولكن لم يحركوا ساكنا0
لم تكن النوبتجية نوبتجيته , برغم ذلك تدخل الدكتور أمين , ولم يتنصل من المسئولية ويقول وأنا مالي ويترك الأم تواجه قدرها بنفسها ومنظر الدم وهو ينذف من رحم الأم كان جديرا بأن يخيف من لا يخاف بخلاف موت المولود 0
تدخل بحسن نية أملا في إنقاذ الأم, فهو يعامل الله وعمل ما في وسعه لإنقاذ روح بشرية بريئة وهى الأم, فهو مشهود له بالمواقف البطولية التي لا ينكرها إلا جاحد ولا أحد يستطيع إنكارها 0
لم يتمكن الدكتور أمين من الوصول إلى ذاك الشريان الفياض المسئول عن ضخ تلك الدماء الغزيرة ولم يجد بدا من إجراء عملية استئصال الرحم كي يتوقف النزيف , وتعيش الأم , وحمد الله على أن العناية الإلهية أنقذت الأم 0
الحاقدون والحاسدون على الدكتور أمين وشوا لزوج المريضة بالتقدم بعمل محضر في القسم يتهمون الدكتور أمين بالإهمال والتقصير في عملية الولادة واستئصال رحم زوجته دون موافقته والذي أدى إلى تدهور حالتها0
تم عمل المحضر ضد الدكتور أمين وتم استدعائه إلى القسم ومنه إلى النيابة والتي أحالتها إلى المحكمة لتكون قضية من أغرب القضايا في تاريخ القضاء المصري أيمانا بالله سبحانه وتعالى وهو الحق وتشجيع زوجته له بقولها يقول المولى عز وجل (ظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) 0
كان يحدث نفسه كيف أنقذ أسرة , وبحاولون هدم أسرتي وتدمير مستقبل أولادي مرت الأشهر وتوالت الجلسات وسماع الشهود الدكتورة ناهد ومدير المستشفى دكتور التخدير (زر زور ) شهدت الدكتورة ناهد زورا بأن الدكتور أمين تأخر في عملية الولادة مما أدى إلى وفاة المولود وشهد أيضا مدير المستشفى طبيب التخدير بأن الدكتور أمين هو السبب في تدهور حالة الأم بعد استئصال الرحم 0
ولكن الله سبحانه وتعالى يظهر الحق في مساومة أهل المريضة للدكتور أمين بأن يدفع لهم مبلغ خمسون ألف جنيه نظير التنازل عن القضية , اتصل الدكتور أمين برئيس النيابة وأبلغه بالمساومة على أن تسجل بالصوت والصورة , اتصل الدكتور أمين بزوج المجني عليها , وتم تسجيل كلام الزوج قائلا نعم إحنا عارفين أنك برئ ولا بد من القضية إما أن تدفع واما القضية تأخذ مجراها, وبعض الممرضات شهدن بأن الدكتورة ناهد هي التي قامت بعملية الولادة وأن الدكتور أمين حضر بعد أن استغاثت به الدكتورة ناهد وأن مدير المستشفى هو الذى قام بعملية التخدير وشهادة أساتذة الطب المتخصصون تؤكد بأنه لولا أن قام الدكتور أمين بعملية استئصال للرحم لأدى إلى وفاة المجني عليها وأنه أنقذ حياتها0
وتم تسجيل أرقام الأوراق المالية بمعرفة النيابة , وأثناء التسليم يتم القبض على الزوج 0
وفى يوم الحكم قدمت النيابة شريط التسجيل بالصوت والصورة وتقديم الشهور الشرفاء ودفتر النوبتجية الموقع عليه بأن الدكتور أمين غير مسئول في هذه الليلة وقامت الممرضات بعمل وصف تفصيلي للواقعة مما أكد للمحكمة براءة الدكتور أمين من التهم المنسوبة أليه وتحدث المعجزة ويحكم القاضى في أغرب قضية بالبراءة 0
وتم وقف مدير المستشفى عن العمل وأحالته إلى نيابة الأموال العامة لاختلاسه مبالغ طائلة بخلاف سرقة الأدوية , أما الدكتورة ناهد فقد بترت ساقها في حادث سيارة مروع وذلك ليس على الله بعزيز هذه محكمة العدل الإلهي

-------------------------------------------------------
-------------------------------